Admin Admin
عدد المساهمات : 857 تاريخ التسجيل : 29/09/2012
| موضوع: القومية العربية الأحد أكتوبر 14, 2012 6:45 am | |
|
تبلور في ظل الدولة العباسية، وانصهرت فيه عناصر عربية وغير عربية، وتبلورت فيه العوامل المؤسسة للقومية العربية!!
لكن العروبة أقدم من الدولة العباسية بكثير. وبالتالي، فإننا نقدم هذه المادة كنموذج لما لا يجب أن يكون عليه الفكر القومي. فإنكار العروبة قبل الدولة المركزية التي تأسست في ظل حركة الوحدة والتحرير القوميين التي أسسها محمد (عليه الصلاة والسلام)، فضلاً عن كونه منافٍ لحقائق العلم والتاريخ، كما نرى في الفصول المتعلقة بجذور العروبة قبل الإسلام في “سلسلة التثقيف القومي”، يجعل العرب خارج الجزيرة العربية احتلالاً، كما يزعم دعاة الفتنة والتفكيك والتعاون مع الأجنبي اليوم، وهو ما ندحضه علمياً من خلال مقتطفات لبعض كبار الكتاب القوميين.
بيد أنه أمرٌ ذو دلالة سياسية خطيرة وراهنة أيضاً تجعل منه أكثر من مجرد مسألة أكاديمية أو بحثية. ويقع المؤلف في تناقض كبير هنا إذ يحلل العروبة في الإطار العام كنتاج للدولة المركزية بعد الإسلام، ومن ثم يسرد عدد المرات التي ذكر فيها تعبير “قوم” (الذي اشتقت منه لفظة “قومية”) في القرآن الكريم (384 مرة)، مشيراً، عن وجه حق بالتأكيد، أن المقصود بقوم الرسول محمد هم العرب الذين بعِث فيهم “النبي العربي” رسولاً. أفلا يثبت ذلك بجلاء أن القومية العربية التي احتضنت الإسلام وحملت رايته أقدم بكثير من 1400 سنة؟!
عمومأً نستغرب التهجم على بني أمية عند الكاتب في سياق تأكيده الضمني بأن الدولة المركزية العربية هي التي أنتجت العروبة! أوليس بنو أمية هم الذين أنتجوا الدولة العربية القومية إن كانت الأمة العربية قد عاشت دولة وحدة يوماً؟! لقد كان لبني أمية ما لهم وعليهم ما عليهم، ونحن لا نقول أنهم كانوا أنبياء أو قديسين، لكننا نقول أنهم أسسوا موضوعياً الدولة القومية العربية واستكملوا تعريب الجغرافيا العربية، وأقاموا المؤسسات العربية، ووضعوا أسس العصر الذهبي للأمة العربية. والشعوبيون الذين يهاجمون بني أمية قديماً وحديثاً لا يهاجمونهم لما نعتبره نحن أخطاء لهم، بل لأن الشعوبيين ببساطة ضد الصعود القومي العربي.
أما الجانب الإيجابي في المادة أدناه فيظهر في قدرتها العالية على الربط ما بين النهضة من جهة، والقومية من جهة أخرى. إذ يوضح الأستاذ القدير محمد عمارة هنا أن انحطاط العرب حضارياً، بعد تقدمٍ، جاء بسبب حكم الإقطاع العسكري غير العربي وغير الحضاري عليهم، وهو الأمر الذي لم يجدوا منه مفراً نظراً لتصاعد خطر غزوات الفرنجة الهمجية من جهة، والانتصارات العسكرية لأمراء وفرسان ذلك الإقطاع العسكري المدافع باسم الإسلام عن الأمة العربية من جهة أخرى.
بالمقابل، فإن الغرب استنتج بعد هزيمته في الحروب “الصليبية” أن عقلانية العرب والحكم الإسلامي مقارنة بلا عقلانية الغرب التي كانت تفرضها الكنيسة الكاثوليكية فرضاً على المجتمع، وتهاب الحكم العربي-الإسلامي بسببها، هي سبب تأخر الغرب وتقدم العرب، وهو ما دفع الغرب لتبني مبدأ العقلانية، مما أسس للنهضة الأوروبية وحركات الإصلاح الديني. بالمقابل، فإن خضوع العرب لنظام الإقطاع العسكري الذي حكمته نخب لا عقلانية وغير متحضرة وغير عربية تعاملت مع بلادنا كغنائم كان سبب السقوط الحضاري البطيء والثابت للأمة العربية وصولاً للعصور الحديثة. وقد ميزنا الفقرات أدناه التي تعالج هذه المقولة بالخط العريض.
ولا يسعنا إلا أن نلاحظ هنا أن الغزوات الغربية “الصليبية” الجديدة التي تحمل عناوين شتى، من “الحرب على الإرهاب” إلى “إسقاط الديكتاتورية”، باتت تدفع العرب دفعاً لتوخي الحماية من نخب غير عربية، تزعم أنها تدافع عن الإسلام، وهي تغطي على مشاريعها القومية الخاصة بها ومصالحها… وهو ما سينتج في أرضنا المزيد من الانحطاط والشلل لمشروع النهوض العربي على المدى البعيد حتى لو أمن حماية مؤقتة. فلا حماية حقيقية للأمة، ولا نهضة لها، بدون مشروع قومي خاص بها.
لكن بعيداً عن هذا البعد السياسي المباشر أو طويل المدى، فإن ما يهمنا هنا هو مسألة “العقلانية”، التي لا تقوم نهضة عربية أو غير عربية بدونها. ففاقدو عقولهم لا يمكن أن ينتجوا نهضة أو مجتمعاً حضارياً، أكثر مما يمكن أن ينتج فاقدو الهوية والانتماء وحدةً أو تحريراً. وهذه الحلقة المركزية – العقلانية – التي أمسك بها الأستاذ محمد عمارة، هي الحلقة التي لا يقوم أي مشروع قومي أو نهضوي عربي بدونها. لأن أي مشروع حضاري بدون سلطة العقل، هو مشروع فاشل بالضرورة، إن لم يرتد ضد ذاته. والقومي العربي الحقيقي عقلاني بالضرورة وهو ما يتيح للقومية العربية أن ترتقي في مواجهة التحديات والصعوبات وتغير الأزمنة.
| |
|