مشكله من المشاكل اللى بيواجها الباحثين التاريخيين هى مشكلة الحصول على مادة التاريخ الإجتماعى للشعوب. المؤرخين القدام اللى عاصروا الأحداث كان اهتمامهم عادة منصب على الانجازات السياسيه و العسكريه للحكام و القواد من غير ما يلتفتوا للمجتمع يعنى لعامة الناس. دى حاله عامه مش مقتصره على تاريخ مصر بس ، و اكمن تاريخ مصر القبطيه اتوجد فى فترتين من فترات احتلال مصر ده بيصعب عملية البحث و التنقيب فيه و بيخليه يظهر على انه تاريخ دينى لمسيحيين مصر مش تاريخ حضارى لأقباط مصر. المؤرخين الأقباط و عادة كانوا رجال دين و متحمسين للمسيحيه ساهموا من جهتهم بقدر كبير فى التشويش على تاريخ اقباط مصر و تصويرهم لتاريخ الأقباط على انه تاريخ الكنيسه القبطيه و باباواتها مع خلط و مبالغات دينيه كبيره. تاريخ مصر القبطيه اكبر بكتير من مجرد تاريخ البطاركة و اضطهاد الرهبان المصريين و استشهاد قسسه و قديسين على ايد المحتلين. من ناحيه تانيه، المؤرخين المصريين المسلمين بصفه عامه اندمجوا فى تاريخ مصر الإسلامى و غضوا نظرهم عن تاريخ مصر قبل سنة 640. تاريخ مصر القبطيه هو تاريخ الحضاره المصريه فى المرحله المسيحيه اللى بتتسمى القبطيه.
الأوروبيين اللى اكتشفوا للمصريين تاريخهم الفرعونى كانوا هما كمان اللى اكتشفوا للمصريين تاريخهم القبطى. بعد اكتشاف المخطوطات القبطيه الغنوسيه المعروفه ببرديات نجع حمادى سنة 1930 بدأ الأروبيين فى النص التانى من القرن العشرين يهتموا بالتراث القبطى و ظهرت فى الجامعات الاوروبيه اقسام للدراسات القبطيه ( قبطولوجيا ). صحيح كان فيه قبل كده اهتمام محدود بين الاقباط بالتراث القبطى لكن الإهتمام ده فضل محصور فى الزوايا الكنسيه و الاهتمام بوجه عام كانت دوافعه دينيه اكتر من علميه تاريخيه. برديات نجع حمادى بينت حاجه مهمه و هى ان المسيحيه فى العصر اللى اتكتبت فيه البرديات كانت متوغله فى مصر حيث ان المكان اللى اتعثر فيه على البرديات دى كان فى أقصى الصعيد مش فى اسكندريه أو منطقة الدلتا.
فى الفتره اللى سبقت طوالى دخول المسيحيه مصر ، القوميه المصريه كانت ملتفه حوالين المعابد و الكهنه فى الصعيد و الدلتا. فى المناطق دى كان بيعيش المصريين ، عامة المصريين الفلاحين و الصنايعيه و الحرفيين. ولاد البلد دول عاشوا زى اجدادهم فى عصور الفراعنه بعيد عن التطورات الثقافيه فى اسكندريه و بقية المدن اليونانيه و الرومانيه. كانوا بيتكلموا مصرى و الخط اللى كانوا بيكتبوا بيه كان الخط الديموطيقى [8] و معبوداتهم كانت الألهه المصريه. فى النص الاول من القرن الأول الميلادى حصل فى مصر حدث مهم هو دخول المسيحيه مصر و اعتناق اعداد من المصريين ليها. تقليدياً بيتنسب دخول المسيحيه مصر لمار مرقس الانجيلى لكن فى الواقع المسيحيه وصلت مصر قبل وصول مار مرقس مصر. المسيحيه وقت دخولها مصر ماكانتش ديانة الدوله الرومانيه الحاكمه. المستعمرين الرومان قبل دخول المسيحيه ما كانوش بيتدخلوا فى ديانة المصريين و كانوا بيكتفوا ساعات بمجرد السخريه منها مابينهم و مابين بعض مش اكتر من كده على أساس إنهم كانوا بيعتبروا ديانتهم زى عرقهم و ثقافتهم متفوقه على الكل و على اساس انهم اعتبروا تقديس المصريين للحيوانات حاجه غريبه ، لكن فى العلن قدام المصريين الرومان كانوا بيظهروا احترامهم للديانه المصريه. الرومان ما كانش بيهمهم غير انهم يجمعوا الضرايب من المصريين ، المصريين يبنوا و يعمروا و يزرعوا و يحصدوا زى ما عملوا على مر تاريخ حضارتهم ، و الرومان يعبوا خزاينهم بالضرايب اللى بيلموها منهم ، و مادام المصريين كانوا بيحترموا الامبراطور الرومانى و بيقدسوه كإلاه فماكنش عند الرومان مانع ان المصريين يعبدوا اى حاجه جنبه براحتهم زى ما هما عايزين. لكن المسيحيه لما دخلت مصر جابت فى مصر إلاه جديد اسقط الالهه المصريه القديمه و معاها تقديس الامبراطور الرومانى و دى كانت مشكله للرومان و بيها بدأ عصر اضطهاد أقباط مصر. بطبيعة الحال المسيحيه ما دخلتش مصر و أمن بيها المصريين فى يوم واحد و لا بدأ الإضطهاد طوالى. عملية انتشار المسيحيه فى مصر لغاية ما بقت الديانه السايده خدت حوالى تلت قرون. الديانه المصريه اللى عاشت قرون فى مصر وكانت مركز رئيسى للقوميه المصريه اتحولت فى اخر ايامها لمجرد ديانه طقوسيه و مجموعة رموز مالهاش معنى و انحدرت لمستوى السحر و التعاويذ و التمايم و بقت ديانه ممسوخه ، و فوق كده اتحول فيها ملوك و قرايب و أصحاب ملوك أجانب يونانيين و رومان لألهه [9] ، و اسامى الالهه المصريه العتيقه بقت محرفه و بقت فيها اسامى يونانيه و اتضافت الهه اجنبيه للبانتيون المصرى ، و فوق كده الكهنه المصريين انتشرت بينهم طايفه من المنافقين اللى بينافقوا الحكام الاجانب و بيسمحوا لهم بالتأليه و نقش اساميهم على جدران المعابد بالهدوم الفرعونيه. بالشكل ده الديانه المصريه ما بقتش بتعبر قوى عن القوميه المصريه زى ما كانت فى العصور الفرعونيه قبل غزو الفرس لمصر ، و فى الظروف دى دخلت المسيحيه مصر و اتقبلت فى الطبقات الكادحه و الفقيره العايشه فى قاع المجتمع تحت الرومان و اليونانيين و اليهود و المصريين المتأغرقين ، و اللى حول الرومان افرادها لمجرد ادوات لإنتاج القمح و تخزينه فى صومعة الغلال فى اسكندريه عشان تتشحن فى صبحية كل يوم لملى بطن روما و اسيادها [10]. كان طبيعى ان الطبقات المصريه الكادحه اللى كانت بتدور لها على مخرج انها تتقبل المسيحيه اللى وعدت الغلابه اللى حايؤمنوا بيها بإن حايكون ليهم ملكوت السما بعد ما ضاع منهم ملكوت الأرض. المسيحيه كمان كان فيها كذا عنصر بيلائموا العقليه المصريه أياميها و فيهم شبه من عناصر موجوده اصلاً فى الديانه المصريه زى الثالوث المصرى المقدس ( اوزوريس و ايزيس و حورس ) و الثالوث البطلمى ( سيرابيس ) ، و الأم ايزيس و الإبن حورس ، و الروح با و كا ، و الصليب رمز الحياه الأبديه ( عنخ ) ، و البعث . منظر العدرا مريم و ابنها الطفل يسوع فى المراحل الاولى للفن القبطى كان شبه صورة ايزيس و هى بترضع طفلها حورس ، التماثل ده فضل صوره ثابته فى الايقونات القبطيه [11]. فوق كل ده المسيحيه كانت وسيله للمصريين لمناوئة الحكم الأجنبى ، حكم الامبراطور الرومانى المتأله.