( حدير وذكر الله )
قصَّة رَواها عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - وأورَدَها ابن الجوزي في كتابه "صفة الصفوة" (1/743): بعَث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - جيشًا فيهم حدير فزوَّدَهم بما تيسَّر من الطعام، ونسي - بقدَر الله - حديرًا الذي ظلَّ صامتًا ولم يذكر بنفسه، وكان هناك شحٌّ في الزاد بسبب الجفاف، وتحرَّك الجيشُ وفي أطرافه الخلفيَّة يسير حدير صابرًا محتسبًا، وقد شغَل نفسه بذكر الله - عزَّ وجلَّ - مُهلِّلاً مُكبِّرًا حامدًا مُسبِّحًا يقول: "لا إله إلاَّ الله، والله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله"، وكلَّما ردَّدها قال: نعم الزاد هو يا ربِّ، أجل، نعم الزاد هو، وبينما الرَّكب يسير وحدير مستغرق في ذكر الله، إذ بجبريل - عليه السلام - يهبط ليقول للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: إنَّ ربي أرسلني إليك يُخبِرك أنَّك زوَّدت أصحابَك ونسيت أنْ تُزوِّد حديرًا وهو في آخر الرَّكب يقول: "لا إله إلاَّ الله، والله أكبر... إلخ"، فابعَث إليه بزادٍ، فدعا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رجلاً، فدفع إليه زاد حدير وأمَرَه إذا انتهى إليه أنْ يحفظ ما يقول، وإذا أعطاه الزاد أنْ يحفظ كذلك ما يقول، وأوصاه بأنْ يقول له: إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُقرِئك السلام ويُخبِرك أنَّه كان نسي أنْ يُزوِّدك، وإنَّ ربِّي - تبارك وتعالى - أرسل إلى جبريل يُذكِّرني بك فذكَّره جبريل وأعلَمَه مكانك، هبَّ الرجل وانتَهَى إليه وهو يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله، ويقول: نعم الزاد هذا يا رب، فدنا منه ثم بلَّغَه مقالة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسلامه ودفَع إليه الزاد، فحمد الله قائلاً: الحمد لله رب العالمين، ذكرني ربِّي من فوق سبع سموات ومن فوق عرشه، ورحم جوعي وضعفي! يا رب كما لم تنسَ حديرًا فاجعَل حديرًا لا يَنساك، فحفظ الرجل ما قال حدير ورجَع إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأخبَرَه بما سمع منه حين أتاه وبما قال حين أخبره، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أمَا إنَّك لو رفعت رأسَك إلى السماء لرأيتَ لكلامه ذلك نورًا ساطِعًا ما بين السماء والأرض، حدير ذكَرَه ابن حجر في "الإصابة"، وابن الأثير في "أسد الغابة"، وابن عبدالبر في "الاستيعاب" وفي "البداية والنهاية".
اللهم اجعَلنا لك ذكَّارِين شكَّارين، مُخبِتين مُنِيبين، اللهم فقِّهنا في ديننا، وفهِّمنا شِرعَة ربِّنا، اللهم ارزُقنا الإخلاصَ في القول والعمَل، ولا تجعَل الدنيا أكبَر همِّنا ولا مَبلَغ علمِنا، وصلِّ اللهمَّ على سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم، والحمد لله ربِّ العالمين.