اقسام الهدايه
المرتبة الأولى :
الهداية العامة ، وهي هداية كل مخلوق من الحيوان والآدمي لمصالِحِهِ التي بها قام أمْرُه .
قال تعالى : ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى )
فذكر أموراً أربعة : الخلق والتسوية والتقدير والهداية ، فسـوّى خلقه وأتقنه وأحكمه ثم قدّر له أسباب مصالحه في معاشه وتقلباته وتصرفاته وهداه إليها والهداية تعليم ، فذكر أنه الذي خلق وعلم ، كما ذكر نظير ذلك في أول سورة أَنْـزَلَها على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقال تعالى حكاية عن عدوه فرعون أنه قال لموسى : ( قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) وهذه المرتبة أسبقُ مراتب الهداية وأعمُّها . اهـ .
وهذه المرتبة هي التي قال الله فيها ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )
المرتبة الثانية :
هداية البيان والدلالة التي أقام بها حجته على عباده ، وهذه لا تستلزم الاهتداء التام .
قال تعالى : ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )
يعني بيّنا لهم ودَلَلْناهم وعرّفناهم ، فآثروا الضلالة والعمى .
وقال تعالى : ( وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ )
المرتبة الثالثـة :
وهذه المرتبة أخص من الأولى وأعم من الثانية ، وهي هدى التوفيق والإلهام .
قال الله تعالى : ( وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) فَعَمّ بالدعوة خلقه ، وخص بالهداية من شاء منهم . قال تعالى : ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ) مع قوله : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )
فاثبت هداية الدعوة والبيان ونفي هداية التوفيق والإلهام ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في تشهد الحاجة : من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي لـه ، وقال تعالى : ( إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ ) أي من يضله الله لا يهتدي أبدا ، وهذه الهداية الثالثة هي الهداية الموجبة المستلزمة للاهتداء ، وأما الثانية فشرط لا موجب ، فـلا يستحيل تخلف الهدى عنها بخلاف الثالثة ، فإن تَخَلُّف الهدى عنها مستحيل .
المرتبة الرابعة :
الهداية في الآخرة إلى طريق الجنة والنار .
قال تعالى : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ )
وأما قول أهل الجنة : ( وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ )
فيُحتمل أن يكونوا أرادوا الهداية إلى طريق الجنة ، وأن يكونوا أرادوا الهداية في الدنيا التي أوصلتهم إلى دار النعيم ، ولو قيل : إن كلا الأمرين مراد لهم ، وأنهم حمـدوا الله على هدايته لهم في الدنيا ، وهدايتهم إلى طريق الجنة كان أحسن وأبلغ . انتهى كلامه رحمه الله .
وقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ اقتصاص الخلق بعضهم من بعض ، ثم قال : فو الذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا .
ويهديهم ربهم بسبب إيمانهم بالله عز وجل
قال الله تبارك وتعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ )
فَمَن هُدي في هذه الحياة الدنيا هُـديَ في الآخرة ، ( وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً )
وقد قال الله في أهل الجحيم : ( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ {22} مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ {23} وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ {24} مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ {25} بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ {26} وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ {27} قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ {28} قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ {29} وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ {30} فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ {31} فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ {32} فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ {33} إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ {34} إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )
والمقصود بـ أَزْوَاجهم : نظراءهم وأشياعهم وأضرابهم
ا